
Photo courtesy of Marvel Studios
يُعتبر فيلم “بلاك بانثر: واكاندا فوريفر” عملاً سينمائياً يحمل عبئاً عاطفياً و ثقيلاً، ليس فقط بسبب وفاة النجم السابق “تشادويك بوسمان” في الواقع، و لكن أيضاً لكون الفيلم يُجسّد رحلة الحزن الجماعي لفقدان قائد و مَلِك مُلهِم. تدور الأحداث حول الفراغ الذي تركه الملك “تشالا” بعد وفاته، مُسلطاً الضوء على كيفية تعامل الشخصيات الرئيسية مع هذا الفقدان، خاصة شقيقته “شوري” (ليتيتيا رايت) و الملكة “راموندا” (أنجيلا باسيت). الحزن هنا ليس مجرد خلفية، بل هو نسيج السرد الأساسي الذي يربط بين الصراعات الداخلية و الخارجية ل”واكاندا”، التي تواجه تهديداً وجودياً جديداً من “نامور” (تينوتش هويرتا) و قومه “التلاكوكان”، المخلوقات المائية التي تعيش في مملكة تحت الماء

يُبرز الفيلم الحزن كعملية معقدة تختلف من شخصية لأخرى. “شوري”، التي تلجأ إلى العِلم كوسيلة للهروب من ألمها، تُظهر انهياراً داخلياً يتبدّى في لحظات صمت مليئة بالدلالات. أما الملكة “راموندا”، فتُقدم نموذجاً للقوة الهشّة؛ ففي حين تبدو صامدة في وجه التهديدات السياسية، نراها تذوب في لحظات خاصة تعكس عمق خسارتها. المشهد الذي تواجه فيه نامور في قصرها، حيث ترفض الخضوع بكرامة تُذكِّر بعظمة أداء أنجيلا باسيت، هو أحد أبرز اللحظات التي تدمج بين العاطفة والسلطة
يُقدم “نامور” كخصم معقد، لا يخلو من دوافع مُبررة، و إن كانت تحتاج إلى مزيد من التوضيح. مشاهد القتال تحت الماء و على السفن القتالية تبرز كأفضل ما في الفيلم، حيث تدمج المؤثرات البصرية المُبهرة (مثل تصميم مدينة “التلاكوكان” المائية) مع حركات أكشن ديناميكية تعكس خفة “نامور” و قوته. مشهد المواجهة بينه وبين “شوري” على الجسر الجوي هو مثال على الإخراج المبتكر الذي يخدم الشخصية و القصّة
التكريم “لتشادويك بوسمان” يطغى على الفيلم من اللحظة الأولى، بدءاً من المشهد الافتتاحي الصامت الذي يُظهر جنازة “تشالا”، مروراً بالإشارات الرمزية لغيابه في الحوارات، و وصولاً إلى المشهد الختامي المؤثر الذي يربط الماضي بالمستقبل. هذا التكريم لم يقتصر فقط بأحداث الفيلم، بل انعكس في قرار عدم إعادة تمثيل الشخصية أو استبدال الممثل، احتراماً لإرث “بوسمان” في عالم مارفل

و قد قدمت “انجيلا باسيت” أداءً يؤكد أنها العمود الفقري للفيلم. مشهد خطابها في الأمم المتحدة، حيث تدمج بين الحكمة و الغضب، يُظهر قيادتها كملكة توازن بين حنان الأم و قوة الحاكمة. حتى في لحظة موتها المُفاجئة، التي قد يراها البعض مُبالغاً فيها، استطاعت “باسيت” ترك بصمة لا تُنسى
و لكن رغم أداء باسيت المُميز، فإن باقي الممثلين لم يرقوا إلى المستوى نفسه. “ليتيتيا رايت”، رغم اجتهادها، لم تقم بنقل عمق تحوُّل “شوري” من عالمة مُتفانية إلى بطلة مضطربة. مشاهد غضبها و حزنها بدت سطحيّة مقارنة بثقل الأحداث. حتى ونستون ديوك “إم باكو” لم يبرز بشكل كافٍ، رغم حضور شخصيته الكاريزماتي

الفيلم يُعاني من ازدحام في الأفكار دون توضيحها. على سبيل المثال، كيفية وفاة “تشالا” (المُشار إليها بمرض غير مُحدد) تُركَت غامضة، مما يُضعف التأثير العاطفي لفقدانه. قصة “نامور” أيضاً تحتاج إلى توسيع: دوافعه للانتقام من العالم السطحي تظهر مُتسرعة، و علاقته ب”واكاندا” تحتاج إلى شرح أعمق لتحويله من “شرير تقليدي” إلى خصم ذي أبعاد تخدم السرد الدرامي بصورة أفضل
مقارنةً بالجزء الأول، الذي تميز بصراع أيديولوجي عميق بين “تشالا” و”كيلمنجر” (مايكل بي جوردان)، يبدو “نامور” أقل تأثيراً. الصراعات هنا تفتقد التركيز؛ فالتحديات السياسية ل”واكاندا” (مثل تدخل القوى العالمية لسرقة “الفايبرينيوم”) تُعامل بشكل سطحي، بينما يُستهلك جزء كبير من الوقت في تقديم شخصيات جديدة مثل “آيرون هارت” (دومينيك ثورن)، التي تظهر دون تطوير كافٍ لارتباطها العاطفي بالحدث الرئيسي

Photo courtesy of Marvel Studios. © 2022 MARVEL.
الفيلم يواصل تناول المواضيع التي تتعلق الهوية و الانعزالية مقابل الانفتاح، لكن بإيقاع أقل سلاسة. ظهور “التلاكوكان” كمملكة مُستعمرة سابقاً يُقدم تعليقاً على مقاومة الاستعمار، لكن التشابه مع قصة و “واكاندا” يجعل الصراع بينهما مُكرراً. المشهد الذي دمر فيه “نامور” و رفاقه منشأة عسكرية أمريكية يلمح إلى رفض الاستغلال الغربي لموارد الدول الأخرى، لكن هذه الرسائل تذوب في زحمة الأكشن
فيلم “واكاندا فوريفر” يحاول بصدق أن يكون تكريماً “لتشادويك بوسمان” و يؤسس لمستقبل جديد، لكنه يقع في فخ التوسط بين العاطفة و الأكشن دون إتقان كليهما. رغم لمعان بعض اللحظات كأداء “باسيت”، فإن الضعف في تطوير الشخصيات وشرح الثغرات القصصية يجعله دون مستوى الجزء الأول. مع ذلك، يبقى عملاً مُهمًا لفهم تحوُّل مَرحلة في عالم مارفل، و وداعاً مؤثراً لبطل لن يُنسى
تقيمنا للفيلم هو:
7/10